ثقافة التخلّف لا تنفي وجود الأسباب – عادةً – لكنها تعمل على تزويرها، فتردّ كلّ شيءٍ إلى إرادة الله المباشرة، إلى رضاه أو سخطه، إذ تسوّق هذه الثقافة مقولة بأنّ كل التحديات والمشاكل والشرور والأمراض والآلام هي عقاب من الله وسخط منه، على بعد الناس عن الإلتزام الدينيّ، وبأن القوة والمكنة والغلبة والتقدم والحضارة هي في العودة إلى الأخلاق الحميدة، والشعائر الدينيّة، وتستخدم لذلك نصوصًا دينية تعامل بشكل مجتزئ عن سياقاتها وعن مجمل الخطاب الديني، كقوله تعالى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
وعجبًا إذا كان الأمر على ذلك لمَ يسبقنا الغرب ويتفوق وينتصر علينا، ويهزمنا مرارًا، في الميادين كافّة؟!
بل إنّ لكلّ شيءٍ في هذا الكون سنن وأسباب، من عمل بها تمكّن من نفسه ومكّن حضارته، ومن لم يعرفها ويعمل بها بات لقمة سائغة للآخرين.
لكنّ علماء الدين يظنون، بأنّ القول بغير ذلك يعني دعوة الناس للذنوب والمعاصي والابتعاد عن الدين، وعجبًا على هذا المذهب في التدين، إن التدين يبنغي أن ينبع من الإيمان بالله واليوم الآخر، ولا أحد يختلف على وجوب الإلتزام بالأخلاق والشعائر، لكنّ ذلك يكون من منطلق الإيمان، لا من منطلق، أنّنا نعود إلى الله ونتقي ونعمل بالشرع فنتقدّم ونزدهر ونحقّق النهضات والحضارات، فما هكذا تورد الإبل.
علينا أن نبحث عن الأسباب الحقيقيّة في كلّ شيء، وفي كلّ الميادين، وأن لا ننخدع بهذا التزوير الذي يدخل المجتمعات في غيبوبة حضاريّة طويلة.
وبذا نخطو خطوةً إضافيّة على درب النهضة والتمكين.
المصدر: موقع عنب بلدي